mardi 25 mars 2014

نقرات

عائدة كنت من زيارة سريعة لبيت بيكاسو .. فقد قرر زملائي فجأة أن يتحولوا إلى مثقفين لإسكات أسئلتي الكثيرة عن باريس ..
 باريس مدينة مثقفة فوق العادة ، زيارتها رفقة ثلة من المهرجين أمثال زملائي هؤلاء لا يمكن أن تطفئ شغفي ، و لا أن تهدئ الوحش الذي يصرخ في داخلي   ، شوقا لاكتشافها ،  اليوم ، و بعد أيام من تسلل صوته إليهم قرروا أخيرا التظاهر بمعرفة اسرارها ،فألبسوني ثوبهم ، و إن استعصى عليهم خلع ثوبي ، الذي ما انفك يحيرهم ، و إن لم يحير الصوت الذي خاطبني
"مغربية"
"لا"
"تونسية"
"لا"
"جزائرية"
" ههههههه طبعا .. لكنك لم تحزر .."  لا حزر و لا فهم الباقي من كلامي ، لأنه لم يكن يعرف من العربية غير هذه "الجنسيات"  ابتسم مجددا "الحياة جميلة" .   بادلته الابتسام 
"هل أرسم الجميلة"
"و كم عليها أن تدفع"
30
لا
25
20
هيا يا جميلتي
أجلس على رصيف بعيد عن باقي الرسامين ، يمرر عيونه .. فرشاته..بحافة جبيني نحو عيوني ينزلق على وجنتي ، و يعيد تشكيل شفتي .. و  ..أمرر ابتسامتي على جراح لا تلمحها الريشة
"أرأيت جئت من موسكو لأرسمك "
"أه أنت روسي .. و  هل تتقن العربية"
"الحياة جميلة"
نعم هي جميلة لولا أن جمالها موجع بعض الشيء ، لا عليك لا داعي لاكتشاف الاحتمالات الاخرى للغة، ما تعلمته كاف جدا ليجعل "الحياة جميلة"
"سالمة يا سلامة ..رحنا و جينا بالسلامة"
ابتسم .. ما عاد ثمة من سلامة في مدن كانت للحب و السلام ، كانت تصدر العشق و الأحلام ، و صارت تستورد الموت لتسقطه فقط بأبنائها ..لم اعلق ..فقط ابتسمت
لم تسعفني لغتي السوداء مع هذا الرجل الناصع البياض ، وحده الجسد يسعف ،يتحول تدريجيا إلى ذكرى ، أحملها بين يدي ، ألفها ، ثم أعلقها على جدران القلب ، و أخبرني إني كنت يوما حية ، أتنفس ألوان شارع أفردته باريس للرسم ، و أبادل رسامي الحديث عن بيكاسو و أولى زوجاته الروسية ، وأسمح لقلم رصاص بمسح ملامحي على ورق رمادي لتخلق مني أنثى بالرمادي و الأسود يكسرهما بعض البياض.
أتأمله .. طويل كحلمي المرهِق ، شاحب كأناتي ، صاف كلحظتي ، موجع أنفه الحاد كنغمات الكمان التي شرعت ترتبها شابتان في مكان ما خلفي ..
ألتفت ، أبحث عن الصوت ،
"انظري إلي رجاء.."
ابتسم كأني أعتذر عن عشق يملكني لا أملكه..يتأملني بهدوء "النموذج الجزائري الهادئ"
أفقد هدوئي أضحك بصخب "الجزائري ليس هادئا ..أبدا"
"لهذا تحديدا قلتها ..أنت أهدئ جزائري عرفته"
" آه حقا.. و كم جزائريا عرفت"
"أكثر مما عرفت أيتها الباريسية المحجبة"
كنت سأخبره أني لست باريسية ، لكن استواء نغمات الكمان خلفي أنساني كل ذلك.. كان "زوربا"
أنتصب واقفة ، يلتفت زملائي "هل هي قسنطينية"
" لا هذه غربية ليست شرقية "
هي منكم و أنتم لا تعرفونها ، يوجعني أني وحدي .. هنا ..أسلم مواجعي للنغم ، تلتهب غربتي ، حنيني، يرتجف القلب ..أو ربما الجسد ، يرغب بالرقص
للمرة الأولى راغبة بالرقص على حبال مواجعي ..أنا
"اجلسي من فضلك ..أنا لم أكمل بعد"
امتثل ، ليس له ، بل العقل الذي يفيق دوما في غير أوانه ، ليستر جنوني ، لكنه يفشل في كبح جنون خيالاتي ..
التي تقفز نحوك ..أنت
أنت ..دون غيرك .. أنت
لم أنت ..لا يهم
استسلم لدغدغة الكمان ، ترقص أحلامي
ما أشبه الأوتار بوجعي ،
ما أشبه زوربا بفقدي ..
ماذا لو كنت هنا .. أكنت لتقبض أصابعي ، و تنخرط دون كثير من التفكير في رقصة أشبه ما تكون بالانعتاق ، تنقر الأرض بقدمك و ترسل صدرك مع الريح ، تحلق .. و تحملني لسماء ما ، لا تعرفها إلا أحلام طفلة طائشة لئيمة
لا وقود للنغم غير لهيب قلبي ..
و أنت ..
هل كنت لتراقصني ..
ثم .. لم أنت
"تفضلي .. سأغلفها بالورق الواقي ، لكن بمجرد عودتك ضعيها في إطار .."
تمتد يد زميل تدفع له الأجرة
"لا"
"إنها هديتي لعيونك السوداء ، إنها أول عيون بكل هذا السواد في حياتي "
"لكن.."
"أحب عيونك ..أحب سوادها"
لم أعثر على فسحة ما بفكري ، لأخمن سر  اعجاب هذا الزميل ذي العيون الملائكية الزرقة بسواد عيوني ، فقد كنت غيرت رأيي باللوحة ، كدت أطلب أن يرسمني و أنا أرقص ، لم أعد أشبه "النموذج الهادئ" خلدني في احتراق علني ، فقد أتعبني طول كتمان لهيبي
لكني لم أقل شيئا من ذلك ، فهو لن يراك ، لن يرسم أصابعك التي عمّرت فراغات أصابعي ، سيرسمها معلقة بالفراغ كما وجهي الذي رسمه مجتث معلقا بالفراغ ..
لا جسد و لا ذاكرة لهذا الوجه غير امضاء رسامه  
                                                                                                                             25/03/2014