mardi 24 janvier 2012

متاهات (مقتطف روائي )

جلست إلى الرواية التي سأدفع بها إليك، أحاول قراءتها، أو ربما كنتُ أبحث لها عن منطق ما، أسأل نفسي كيف سترتبينها، و أي عنوان ستختارين لها، و هل يمكن فعلا أن تقبلي بنا، أو بأحدنا على الأقل.
إحجامك عنا ..كلينا
جعلني أركض خلف سراب لا أدري ما هو، و لا أي فائدة أرجوا منه، المهم أني أحاول لا أجزم.
اليوم غادرت فراشي مبكرا، تسللت قبل أن تلاحظ أمي فتسألني، فبأيكما كنت لأجيب.
جلت بشوارع قسنطينة قبل الفجر، بدت هادئة لم تشبه عواصف ذرية، بدت شبيهة لك سها 
،شيء منها يتقاطع و شيء منك، اجتمعتما أمامي صخر يبتسم للقدر، و امرأة.. حسنا أنت لست امرأة أنت طفلة بسن مختلفة عن أعوام الطفولة.
لا أذكر غير ابتسامتك، خلتني ألمحها على الصخر العتيق، وقفت على الجسر أتأمل المدينة كأني أراها للمرة الأولى، أتعرف عليها مجددا كأني أراها قرونا بعد لقائنا الأخير، ما الذي بدلها كانت تشبه ذرية، لماذا تتشبه بك فجرا.
خبريني يا امرأة الاقتصاد الفائق للكلمات.
تنفست المدينة، سحبت بعض الراجلين كما كانت ذرية تسحب دخان سجائرها فغادرتُ..غادرتهما معا، المدينة و المرأة المدينة.
دخلت حمامي تركت الماء يغسل إثم التفكير بك ..سها.
يا امرأة هي ملكية خاصة لرجل آخر
لكني لم أملك على الرواية سلطانا
حملتني،وسعت بي أفتش عن الزميلة سها ، اتقيتها عند البوابة كأننا على موعد، أو كأن القدر سحبها،ابتسمت كعاداتها، و لم تنبس بكلمة،حاولت استبقاءها، لكنها كانت على عجل، أو على وجل، لمحت تخوفا في عيونها:
- سها كنا بالجامعة صديقان، و نحن الآن بجامعة أخرى معا.. لكننا..حسنا لم نعد كما كنا
ابتسمت:
- هنا الأمر مختلف، و ظروفي اختلفت
-ارتبطت..
لزمتِ الدهشة كأني اقترف إثما أمامها، سارعتُ بالاعتذار خشية أن..ربما خشية أن أفقدها، و الرد جفاء:
-و اللهِ يا أستاذ...
بترتْ كلماتها و كلماتي أيضا، وشيّدتْ بكلمة واحدة سورا بيننا،إذا كانت تدعوني أستاذا فعلي أن..
أن أقف عند حدود الزمالة المتحفظة التي لم أعتد منها.
سها كانت بسمة، كانت كلمات متقاطعات،ولعب طفلة تهوى الاسترسال حتى آخر حروف اللغة، سها لـِم تنكمش اللغة وتتراجع،عند اللقاء الذي ليس سوى وعد بالفراق السريع.
تحمل صمتها و تدخل قاعة الدرس و لا أملك على النفس سلطانا، أقابلها مستترا بجمع من الرفاق، أراقب درسها، أتقدر النفس التي افتضح انكسارها على التفاعل و مائتي طالب من النخبة، لا تمر عليهم كلمة إلا و استوقفوك عندها عمرا ، طلبتنا مثل جمارك كلمات، لا بل هم جمارك أفكار.
أبحرت أرقب حركة جسدها، هي المؤمنة يقينا أن للجسد لغة، لغة جسدها بدت بهجة متأنقة، هي ما كانت هكذا ..سها كانت فاترة الأعصاب فائرة العطف، ملتهبة ببساطة تربكك، اليوم انظر إليها، إنها..
تشبه ذرية أن تكون نقيضا مطلقا لشخص آخر فهذا يعني أنكما تلتقيان عند النقيض ذاته..
ماذا يحل بي أ تصيبني الهادئة بالجنون الذي لم تصبني به العاصفة.
ذرية أين أنت تعالي راقبيها برفقتي، راقبي سها التي كرهتِها مع أني لم أكلمك عنها، إلا لأعلمك أنها ستكتب القصة التي هي تحديدا قصتنا، الوجع الذي التصق عنوة بقلبي، بجسدي و أحيانا أخاله اقتحم روحي..
ذرية أتذكرين رجلا مر من العمر سريعا، كان شهرا، لا أكثر،واختصر الشهر العمر بكامل أحلامه.
دوريا.. أكاد أحضنك و أنا أذكرك، لكنها ...سها
تشوش النفس تستحيل ستارا بيني و بين أحلامي، ملكْتـِــني على مد السنتين، وكانت سها هنا و ما حركت مني حلما، لكنها اليوم وقد لملم الحب فزعه و بلغ نهاية الأمل و استحال الأمل ألما.. ها هي تستأصل بعضا منك لتحل محله بصمت، بخيبة لا تخفيها إلا لتتفجر بين الأهداب، بين الشفاه، لو أملك من الشفاه قبلة عابرة، لا تنثر وعدا ولا تشترط عشقا،عابرة ككلمات عابرة نخطها على خواطر الأدراج الجريحة التي لا يعرف الأدب لها سرا، مجرد قبلة زميلتي من شفاه لا تسعف الشغف و لو بكلمة.
ألا تعرف الكاتبة التي تدعي أنها تقرأ أفكارك قبل أن تفكر بها، ألا تعرف أن الصمت حرب استنزاف للصبر، أنه إعلان عن ثورة يـخوضها الرجال مجندين كل سلاح ملكوه، لتنتهي النساء صريعات وعد لم نلفظه، و تقولين زميلتي الجسد يلقي الوعود، صدقي زميلتي وعود الجسد ،ووعود نظرة تلتهمك في ثانية تمسح كل نقطة من جسدك قبل أن ترفعي بصرك صغيرتي ،و تلتفتي بثقل الانكسارات و الفجائع التي تسكنك أو تسكنينها و لا أجد لها من داعٍ .
أ يمكن أن تقفي إلى جواري ذرية لتراقبي زميلتي الملفوفة في شرنقة، لو تتبادلان الأدوار،لو أن المرأة القاطعة كحد السيف زميلتي ، و هذه الغائمة المعالم تغني للوزراء و السفراء، و تعاشر السكارى وتترفع عن الأساتذة الجامعين، الأساتذة بمقاييسك ذررية.. فقراء، للمرة الأولى أكتشف فقري، راتبي بالكامل لا يقتني تنورة واحدة من تنورات فتنتك الدافقة، كيف أتزوجك، تبا لك
تبا لك ذرية..
لو أملك الصراخ بأعلى صوتي، لو يمزق الصوت القدر الذي مرغني بوحل امرأة منبتها حرام وعيشها حرام، حتى الهواء الذي تتنفس حرام، بل الأرض التي تدوس تنقلب حراما.
ذرية لو لم تكوني...
أي كلمة قد تسعف القلب، لو لم تكوني أنتِ..فأنتِ لست المرأة التي يتزوج رجل يحمل سجل خيباتي.
إنها عقد الأساتذة الجامعيين، أو ربما هي عقد الرجال أيا كانوا عقد الجزائري الذي لا ينكح إلا امرأة تشبه الأطر الاجتماعية، تشبه المجتمع الذي يقبض على أنفاسي، تشبه سها المتحفظة الملتهبة الشوق إلى...من سها؟
إلى السراب.من تنتظرين يا صمت الجسد، و صمت اللغة، يا صمت ينفجر بلاغة.
يغادرني الرفاق، أمكث وحيدا قبالة قاعة تدرس بها زميلتي، أحمل أسئلة لن أطرحها و أجوبة لن أحصدها، و أسير إلى قاعة الأساتذة، أنتظر ملاما لن تلفظه فهي ككل الأساتذة حويطة،تدخل رفقة زميل آخر للمرة الأولى أراها كما كانت أيام الجامعة كلمات متقاطعات، كانت تمازحه تستفز رجولة لا تدري ما قد تصنع بها إن استفاقت،عيونها عالقة على نقاط متناثرات من جسده مبعثرة تائهة في هذا الرجل الأب، أ هي غواية الشيب على حواف الوجه منه  ما أردت القلب صريعا، أنت التي قلت يوما أنك لن تغرمي بي لأني لست أشيب، أ تذكرين سها يوم جالستك للمرة الأولى و كنا زميلي دراسة ؛كنا نعد بحث و اخترتك شريكة و التفتت دهشتك تفتش عن هذا الذي يقتحم أسوار صمتك، لوحت بيدي فابتسمت، و جالستني بعد الحصة، قلت أنك محيطة بالموضوع، و أني لست مضطرا للبحث، أ كان العطاء البالغ أم مجرد طرد من حصن اقــتُحِم على حين غفلة منك.
رفضت عرضك فأنا أردتك أنت لا البحث.
و جالستني أخيرا بعد أسبوعين من الكبرياء الملتهب،جئتني مجنونة أحضرت لي غذائي قلت كأم مع أنك لا يمكن أن تكوني أما، أو حتى أن تصبحي يوما أمًّا؛قلت أني سأفوت غذاء الحي الجامعي، أ لست مجنونة.
أنا تناولت السحر بين حبات الملح، و خلتني أسقيك سحرا طلبت إليك أن تشتغلي برفقتي شريطة ألا تقعي بحبي، نظرتك كانت متعالية، قلت طالما لم يبيض شعرك فلا خوف علي.
سها..
كنا زميلين ..و اليوم نحن زميلان أي فرق تجدين لتنبذيني و قد كنت الأحب إليك.
ثم لم هو، لماذا اخترت هذا الأستاذ الذي ابتسم زهوا بامتلاكك ألقى علي تحية تشبه عقب سجائر ذرية، و عاد يكلمك، ليخلفك .. يغادرك..
جلستِ..قشعريرةٌ عبرت القلب..
حملت الجسد دنوت سحبت الكرسي المجاور لها فإذ يدها تقبض عليه، تفلته ،تسحب الذي بعده، ترفع بسمتها تسترضي غضب لم أجد الوقت لأحسه بعد.
جلست حيث شاءت، التفتت و قد حنت رأسها تجر بسمتها كانت ابتسامات منتصر،لم أملك غير الرد عليها بالمثل،هل أقول لها...
هل أؤجل.. متعة التفرج على حيرتها، و أكتفي بلذة استفهام لن ترشده الأسئلة،لأنها لن تنثرها ،فقط لأن السؤال مذكر، و هي أنثى لا تمارس إلى المؤنث؛إنها امرأة الإجابة.. فالإجابات أنثى، أما ما هو بين ذلك فهي لا تأتيه أيضا، شديدة العناية هي بأنوثة لا تمتلكها، لا تعرف أنها طفولة لا تنقضي ،و من الأطفال لا يهم الجنس فهم أطفال وانتهى.
لكنها لا تعرف، من قد يوسع ثقافتها و هي تحكم لف شرانقها..ستبقى محكومة بالبراءة المؤبدة.
- سها
 أين قضيت عطلتك؟
- بمنتجع الدكتوراه، بقسم اللغة..أتدري الخدمة سيئة لا أنصحك به مطلقا..
جرتْ بسمتها و ضحكتُ لا أدري لم، فاقترفتِ السؤال:
-ماذا عنك..
-بمنتجع جعلني أدرك أني رجل فقير..
صمتت لحظة، ثم أومأت إلي برأسها أن أكمل، أحسست أني استعدتها، بحركة خاطفة اقتلعتُ الصمت وعدت الصديق، فهل أخبرها فأخسر الصديقة و أشتري الرواية ،أم أضحي بالرواية وأحتفظ بالصديقة.
- أخبرتك أني سأقصد العاصمة لأدرس الموسيقى.
- آآآآه ..كل نهاية موسم تخبرني بذلك و لا تذهب
ثم استدركت كأن جديتي أوقفت تأففها، اتسعت عيونها دنى مني الشق العلوي من جسدها:
- لا ..ذهبت إليها
- إلى من؟
- أأأف، أنا أعرف أنك تريد صاحبة الجمعية لا الجمعية
تبا لك أنتِ أيضا سها:
- من أين أتيت بهذه القصة السخيفة؟
- لو قلت كلمة أخرى لكنت أقنعتني،لكن كلمة سخيفة هي مرادف صريح لحقيقة، أيها العاشق.
ليتك احتفظت بالصمت،ضحكك أغلق مجاري التنفس مني
- لماذا تضحكين..
- كنتَ دوما تأتي لاهثا تخبرني أنك وقعت، و أنك هذه المرة ستجعله مشروع العمر، و كنتُ أقول تريث، أمعن النظر بقلبك الآن ،ما تاره هو الحب.. مشروع مكتوم، لا نبوح به، إنه السر..اليوم أقول لك تشجع لن يكون التقدم في هذه الساحة يسيرا لكنه بطعم الفرح
صمتت لحظة تراقب تنهدي و أضافت:
- مبارك أريد الحلوى الآن لن أنتظر..
كأننا تبادلنا الطبائع استرسلت تحدث لا تسمع، ولزمت الصمت حتى خلتها لن تفهم مع أني أكثر من يعرف أنها تفهم..تفهمني..
- ثمة مشكلة...اشترطتَ أمورا لا تقدر عليها..
استمرت تكلم نفسها، تخمن، هذه هي صديقتي المجنونة لا تترك لك فرصة أن تكون، هي بنفسها تصنفك حيث تشاء هي:
- مشكلتك مادية إذا
لم تلحظ أنها هي..
هي تحديدا مشكلتي، لا لم تكن هي، كان ثمة حسابات عالقة حتى قبل أن أفكر بها:
- سها هي ليست مناسبة لوضعي..
صمتت غيضا، مع أنها طالما قالت هذا عن كل السابقات:
- لمَ تصمتين الآن..
قلتها بكثير من السخط، كأني أدينها لذنب يعرف القلب أنها لم تقترفه، أعادت إلي نظراتها.. كانت فزعت كما لم أرها يوما، على أهبة البكاء، لم يمنحني انكسارها على نغمة صوتي فسحة لاستجماع عقلي، أو الباقي منه، وجدت يدي تدنو لتقبض على ذراعها الممدد إلى جواري ، لكنه كان الأسرع انسحابا،خلفت قبضتي معلقة و لغتي تجمع أشتات الاعتذار لتتبعثر أوراقها كاملة،و تنسحب نظرتها و يدها بخفة:
- لا تعتذر لست السبب، إنها العبارة ؛قاسية في حق امرأة..ويكيلها الرجال جزافا.
انسحبت خلفتني بمقعدي أتأمل حضورها و غيابها، كأن لم تكن هنا، كأنه سراب. نادم الآن..
عرفت أني سأضيع الصديقة ثانية، و أنحذر نحو جحر الزمالة.أنت أيضا سها .. أنت و إن كنت نقيضا مطلقا لها، ما أنت إلا نسخة عنها...عن ذرية حبيبتي .

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire