lundi 20 février 2012

قالت لي الأزمان عنكم ...-1-

إلى الروح الطاهرة التي رحلت قبل أوانها

قبل أن تزهر بذور زرعتها بالروح منها ومني 
إلى موتاي..
إلى موتاكم..
إلى كل من تحرقنا لوعة افتقادهم..


غادرتـُها مرتجف الكيان ،هي يوما ما كانت هكذا؛إنها..
-هاي..هاي,أنت تعال..
اقترب الفتى العربي سألته أن يؤمّن لنا عودة سريعة إلى المدينة،فهذا الخلاء يجعل 'بتي' تفقد عقلها،هذه آخر خطواتنا نحو المجهول،نحو الآفاق المفتوحة على كل الاحتمالات هذا هو الاحتمال الذي لم نحسب له حسابا.
بلغنا المدينة،إنها أشبه بقرية صغرى،الوقت غداء و ما كنت أعرف إلى أين أقصد أخيرا تقابلني عيادة طبية.
ما الذي تراه الطبيبة اليافعة بفتاتي التائهة المحمومة، التي يرعبها تذكر ما مرت به .تعالج طبيبة الأعراب ما ظهر من حمى ،تهدئها ثم تسوقني إلى مسجدهم تنادي على قديسهم يجلس إلي يسألني عن 'بتي' ..
عما أذهلني من أمرها.
أطلب إليه أن يسمع منها فأنا ما عدت أعرف كيف أروي كل الذي جرى ,للحظة كانت تائهة تسألني "ما هذه الكتب و لم هي خاوية بالكامل لم لا تحمل أدنى كتابة"و لم يكن في خيمتنا كتب و لم...
صرخت في وجهها، أخذت أحرك جسدها، مرت دقائق قبل أن تستفيق، ثم ..لتصف هي ما رأت، فهي.. تقسم أنها رأت عالما أخر.
هذا العربي ليس أكثر من بدوي مسلم فهل سيصنع مجدا على حساب الحضارة و العلوم، لكنه من سكان الصحراء،هو بل هم يملكون قوى أكبر من وجودنا ، إنهم أشبه بالسحر بالغامض والمستحيل, قد يعيد إليَّ حبيبتي،قد يعيدها، أدفع العمر كله لقاء عودتها-كما يقول هؤلاء العرب-
لكن القديس لا يقول شيئا, قدم لي الغداء ثم جثم ينتظر أن يتكرر الأمر،أراقبها نائمة كملاك نزل لتوه من الجنة ،لأحظى بها هنا، 'بتي' قطرة من ندى .
كيف أعيدك إلي حيث الصواب الذي ما عدت أجد حبيبتي.
حتى لا ألازم العربي سقتها إلى حيث رفاقنا السياح الأوربيون،التفوا حولنا حادثهم عن كل ما عاشتْ ،بكل التفاصيل المبهمة التي و على دقتها لم ترفع غمام الجهل عنا.
سألتني عجوز منا إن كانت عمِّدت في صغرها.
'بتي' ليست مسيحية فكيف تعمّد؛هي لا تدين لأي إله و كذلك والداها, إنها..بل إننا أحرار مد نشأنا.السيدة على الأقل أبدت رأيا قالت مس شيطاني، الحل تعميدها إن عاودها الأمر.
اشتعلت 'بتي' حقدا و طلبت العودة إلى قديس المسلمين، و لم يجد غير الصمت جوابا لها.
- إن كنت لا تعرف فلا تقل شيئا،لن أصدق حكاية المس الشيطاني.. أنا لا أومن بالشياطين و لا الملائكة و لا حتى ...أعتقد أني زرت الماضي أو المستقبل وفق شروط خاصة،و إلى هناك أعود وأنتظر أن تتكرر التجربة في تحقق الشروط السالفة.

بتي
باب الصحراء

حزمتُ عزمي و جرأتي و سقط سهوا بين أمتعتي بعض الخوف والرهبة فدعوت ذلك القديس العربي...
لبى و ما خلته يلبي.
خيمة رمال صحراء، بركة بصفاء الدمع ،ضياء القمر،ماذا أيضا..لا أدري..كل نقطة من جسدي تشتهي عودة ذلك الزمن المستور
و لم يعد..

انقضت الليلة بزغ الفجر، أنهى القديس صلواته، بنظرة واحدة فهمته ينوي المغادرة..
إنه.. و كأن روحه ترفض حصول أي أمر، خائف من الجديد ربما
أو ربما المجهول، أو... لا أدري.
نظر إلى السماء قال: – لا اله إلا الله،كيف...
توقف الزمن الحاضر، سافرت انقلب مشهد الصحراء و خيامنا القلة إلى مدينة أشبه بالرماد الواقفون حولي شبه عرايا،إلى جواري رجل أشيب يقول لا إله إلا الله ..
خلفه مباني شاهقة رمادية اللون ..حجر أو طوب أو..
إلى جواري نساء و رجال،النساء كثر..كثر .
انقطع، عدت وقد ارتفعت شهقاتي تقطعت أنفاسي ..لقد...
لم يكن الماضي سيدي.. لم يكن الماضي، البنايات دائرية شاهقة الارتفاع، الأزياء بدائية التصميم دقيقة التنفيذ،بالكاد تسترهم.سألني القديس عن نسيم الهواء،فسخر رفيقي
أخاله سؤال عارف،الجو خانق الحرارة مع ذلك أحسست برودة قارصة تمر بين الحين و الحين مع أني لم أطل البقاء..انه مختلف عن كل ما عهدنا..
- هل انتقلتُ فعلا ؟ هل غبتُ تلك اللحظات؟
- أنت عن ناظرينا ما غبت.
صاح فؤادي ما كنت نائمة و لا هو الحلم فكيف أشرح لهما
و خائفين بديا.لا هين الأمر و لا صعب ..
قد يكون ...
ألتفت إلى القديس المسلم فيسألني عودة إلى المدينة يرتب فيها أوراق الفكر،ثم قال لا تنادني قديسا فأنا إمام و اسمي عبد الله.
عبد الله المسلم هاتف الجامعة المسلمة منبت علمه، من هناك يُرسَل إلينا باحث متخصص، بعد أسبوع..أسبوع كامل وصل إلينا شاب يافع، فتى غر لا يحمل ملامح العلماء و لا حتى الأطباء.أ يحمل بين متاع السفر علاج خوفي و نزق الغموض.
جلس إلينا, رويت له السفرة الأولى، سجلها على شريط سمعي ثم الثانية مثلها،لم يسلني شيئا،غادر و مع الفجر عاد، وجدني في الباحة الجانبية للمسجد،لم يشأ اقترابا لكني اقتربت، فبادرني السؤال:
- أ تعجزين عن النوم؟
- لا..بل أهوى شروق و غروب هذه البلاد..
ابتسم׃- انه وقت غير محمي فيه تكثر حركة الجان و قد يصيبك مكروه
- إذن تعتقد مثل الأوربية أنه مس شيطاني
-لا أعلم بعد و لا أخاله
- سفر في الزمن
- لكل ٍ ثقافة ٌ تملي عليه أفكاره و توقعاته..
- آه، و إذن..
- رحلة إلى هناك و الله يفتح أبواب العلم إن هو شاء
تضيق أنفاسي أدخل ذلك الـ... الزمان أو المكان مرة أخرى,أمامي ينتصب الرجل الأشيب ثانية يفتح كتبا خاوية لا كتابة عليها فقط نقش من زخرف يؤطر الصفحات الخاويات،أحاول الإحاطة بالمكان،لا أملك لنفسي حراكا ألمح سيفا على الجدار..ألمح أكداسا من الكتب،وصورتي في المرآة،تصعقني تلك الصورة ،لا أعلم كم من الزمن مر و أنا أراقب الدهشة على صفحة من مرآة,ليست أنا..
لم أكن أنا على المرآة.
كانت أخرى ..
-بتي..بتي..
استفقت على صوته׃- ماذا رأيت؟ بل كيف أنت؟
- كيف عرفت هل اختفيت؟
لا ما اختفيتُ كنتُ هناك،يراقبني و أسندُ يديّ إلى الخواء، أقلب الصفحات الخاويات من ذلك المجهول البعيد المنتئي.
أ كان سفر روح.. الروح تصعقه كأنها الكلمة التي لا يود الخوض فيها...و مهما سألته ماذا إذن..لا يلتفت إليها كأنه لا يريد أن يعرف، أو ربما لا يمكنه؛ مس شيطاني، تلبس جان، سفر أزمان، تقاطع أرواح
ما الذي يحصل،الصحراء شرعت تنتقم،تريني أطيافا وأوهاما، وهذا القادم من قسنطينة يصدق بكل جوارحه , يستقصي, يطرح الأسئلة ثم دخل مسرعا إلى المسجد جلب كتابا,فتحه ستر كتابته ثم أراني
ـ أ كانت هكذا الكتب..
نوعا من هذا؛ الأحجام مختلفة مواد صفحاتها أيضا متباينة لكن تشابه ما يجمعها بهذه التي أرى بين يديه ،و ما هذا؛الذي بين يديك...
المصحف، الكتاب المقدس؛ القرآن،هكذا استمر يشرح لي حتى جعلني أغضب استفز شيئا ما مني لا أعرف ما هو،أكانت حقا مصاحف كل تلك.
أ يخالني رأيت هذا الذي يسميه آخر الأزمان؛ شهدت رفع قرآنهم من مصاحفهم.
و لم ..لم أشهد أنا عارهم و انحصار أقدارهم.أي عار تسيرون إليه، أما كفاكم ما أنتم فيه خلناكم تنتفضون وترفعون عنكم محاكاتكم لنا،إذ أنتم تنقلبون أمة من غرائز الحيوان:
- لا يهمني أمر دينكم، أريد أن أشفى.
- أخشى أنك لست مريضة..أو ربما...
قد لا يكون مرضا، أ لم يدرك أني أفتش عن احتمال، أي احتمال، ما عدت أطيق صبرا على هذا الذي ملكته أمري إذ هو يبحث عن تواريخ لديانته،و يدرني لاحتراقي,و لوعات ضياعي...
لكن لا ..أطلق الصحراء و أنسى .
الدروب نحو البلاد الباردة هي علاجي،يقترب ذلك المسلم يقسم بآلهته التي لم أعرف يوما أنه يشاطرني الشعور، وأنه مثلي يبحث لي عن منفذ،لكن:
- لنحاول مجددا ..قد نجد الحل عند الطرف الآخر من يدري..
كأني أصدقه ..كأن روحي تحب أن تؤمن له و تستسلمَ لإرادته.
تشرق شمس الصحراء تنير جسدينا المتكئين على جدار المسجد،يلمحني رفيقي الأوروبي يحاول أن يتحاشانا، لا يقدر, إخالني مازلت جميلة،ما أزال أرى حسني على وجوه الآخرين،و على وجهه كأول الدانين، غير أني شرعتُ أنحسر لم أعد لهفة عظمى،بدأ انبهاره يجف, سألني و يا ليتني ما سمعت سؤاله و لا عرفت ما يخفي.
سيرحل، إننا نفكر بالعقل ذاته لكني ،ما أحببت أن يسبقني إليه ..
لعلي.. ما عدت .. ما عدت أملك القدرة لأقرر.
انتصب المسلم الذي بمحاذاتي أملا استثنائيا في حياتي،و قد خسرت السند؛ رفيقي يعود من حيث أتينا ذات يوم.
هو اليوم أشبه بالغلطة،يشبه الهفوة، يشبه أخطاء النساء
- أ ترافقينه؟ يسأل المسلم
- لطالما كانت الصحراء وطني لكن عند الضعف أحتمي بالحضارة
الصحراء موطن راحتي.. و إذا انتفت الراحة، انحسرت و ضاقت بما رحبت – هكذا تقول العرب- و يسيء فهمي يخالني لم يقنعني جهده و لا مرتبته لكن لا ..
أنا عاشقة المجهول و معشوقي جرحني بل آلمني ومن وجهه أفر ..
أما أنت أيها المسلم القسنطيني محمد فـ....
أنت غفوة خاصة للروح،إنك استراحة بالغة الاختلاف،حياتي كلها قضيتها من عطلة إلى عطلة غير أن عطلة قضيتها للحظات بين كلماتك،و رنة صوتك،تشعرني كأن العمر كله كان تعبا يفتش مستميتا عنك،و ها أنك..
و ها أني أرمي بك خارج هذه الحياة دون أن أحسم خسائري
- إن كنت تغادرين فلا بقاء لي ...
ستعود إلى قسنطينة,تراك ما تعود تذكرني, أ لم يحفر جمالي في نفسك مطلقا،أعرفت قبلي كثيرات مثلي ,و لم تملك بلوغا للحدود الفاصلة بيني و بينهن ..
حدودي فؤادك أنا أعيشك حسا،لا أفهم كيف و لا...
- ماذا لو زرتم قسنطينة ثم ...
- نعم،نعم..نعم
أراهن عليك بالـ...بـ" بتي" كاملة ..و لا يهم أ أيام أو مجرد ساعات أخر معك ، ليس مهما أود أن أبقى إلى جوارك فقط،أما رفيقي فيرفض، يشد القسوة علي يقول أننا نهرب لا نمرح.
- قسنطينة ليست صحراء. يصر المسلم ׃إنها صخرة فوقها مدينة لن تفوتوا ذلك ..
- طبعا لا .
ما أزال قادرة على تسيير أفكاره، الأوربي ليس بصعوبة العرب،رفيقي شغوف،لن يغيره مشهد عابر ،بيد أنه خائف ، خائف حتى من التطلع نحوي،خائف ربما حتى من حبه الفائت،من كل ما تعنيه بتي.
ما عدت امرأة بالقدر الكافي،بل ما عدت عادية بالقدر الكافي،مع أنه ما أحب العادي يوما . أنا كنت المجهول و المغامرات،كنا نطارد ونقتنص .
أم أن الجدّ جد ....
انتظرناه،فتشنا عنه،اختفى،و سألنا فعرفنا...
غادر نحو أوروبا، لم يسل عني ،و لم يودعني و لا حتى ...
وحيدة أنا في البلاد البعيدة، محاطة بالقتلة السفاحين؛ أتبع خطى متطرف إرهابي.أسير على أرض متعطشة للدماء،ألهج لغة الـ..
- ما كان لينفعك
ها هو المسلم شرع يهددني ثم هو يردفني:
- لن أتخلى عنك، و لو لزم الأمر، أسافر معك، و لا أعود حتى أسلمك لمن يتعهدك،ابتسمي لقسنطينة.. فستغرمين.
-.....
لا تطمئنني الكلمات،بل شيء آخر يسيرني نحو هذه المدينة لا أعرف ما هو، ما عدت أعي ما يحل بي،مسلوبة الإرادة، أسير بين أزقتها ،أفتش عن شيء لا أعرف حتى ما هو ،و لا لم أبحث عنه؟
فأين أجده؟
أنهكت محمدا و أنا أطلب كل ساعة الخروج للسير, يخالني عشقت هذه المدينة الحلم الصامد, لكن لا..ما عاد للعشق مكان.إني ابحث بكل حواسي،أتفقد كل زاوية،كل ركن ،أسلك كل درب.مرت أيام ثلاث و.. أين ـ أجد ـ ماذا؟

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire